يوسف أيها الصديق أفتنا...
صفحة 1 من اصل 1
يوسف أيها الصديق أفتنا...
{ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا } ..
هذه لحظةٌ ؛ لا تُشبه الأوقات ..
لحظةٌ اكتمل فيها يوسف عُلوّاً ؛ فتهيّأت له الأقدار !
يقتربُ إليه السّاقي ..
ويفتحُ السجّان أقفالاً ؛ التَهمها الصَّدأ وَشظفُ الإنتظار !
يبدو الحزن في السّجن ؛ غَفيرا ..
حيث يخطو السّاقي بِحَذر ٍإلى مكانٍ ينطفئ فيه القلب آلافُ المرات ..
وينسابُ حُزنٌ عتيق ؛ على مَن تركوه مأخوذاً بما لم يفعل !
{ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ } ..
ترى ؛ كم خريفٍ مـَرّ على هذا الوجه ؟
وكيف تشيخ الأعمار قبل أوانها ؟!
{ أيها الصّدّيق } ..
يرتطمُ صوته بذكرياتٍ قديمة ..
وتجذبه الكلمةُ إلى ذكريات السّجن ..
ويسيلُ الحنين في قلبِ يوسف !
{ أيها الصّدّيق } ..
كان السّاقي يخيطُ بالكلمةِ ؛ الكثير من مَسافات الغياب !
{ أفتِنا } ..
إذْ لا يملك أن يرى ما بعد حجابِ (الآن) ؛ إلا الأنبياء !
{ أفتنا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } ..
يعيدُ الساقي بدقة ترتيلَ الرؤيا ؛ ويغرقُ في غُموضها ..
لكن المعنى يضيءُ ليوسف ، ويبلغ في التّأويل قمّة الوعي !
{ قَالَ تزرعون } ..
بالفعل المضارع الذي يتوهّج الآن ..
وبواوِ الجماعة كُلها ..
فهذا سلوكُ أمّةٌ ؛ تريد أن تحمي مستقبلها !
{ تَزرعون } ..
هنا ؛يعد يوسف المواقد لزَمهرير الشتاء .. ويوقف صوت الدّموع مُبكرا !
{ تـَزرعون } ..
بالفعل المضارع المستمر ولو كانت الحدائق ملآى بأسرابِ الطيور ..
لماذا ؟! .. لأن الذين يستهلكون دُون حكمة الإنفاق ؛ غَدُهم مليءٌ بالأرغفة اليابسة !
ولقد كانت الرؤيا ؛ تكشفُ ما ليس ينكشف ..
لذا .. انظـُر إلى التحذير القرآنيّ ؛ كيف تصطفّ سنين الجُوع بجانب سنين الشّبع الملآى! ..{ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } ..
إذ هكذا يورِق الخَراب ؛ رغم السنابل الملآى ..
والنهايات ؛ بالبدايات تُعرَف !
يتابع الصديق ويتدفّق بالحَل ؛ فيقول :
{ تزرعون سبْع سنين دَأبا } ..
حيث الفعل المضارع مع واو الجماعة ، والوقت المُكتظّ بالجهد الهادف ؛ هو فعلُ أمّة تنقش حُضورها قَدرا ..
إن الوقت والجُهد ؛ هما معادلة الإنجاز !
وفي هذا التأويل ..
تَخلق الكلمات خزائن ؛ توضَع فيها وديعة الأجيال ..
فلا يغدو مُستقبلهم دمعةً في زمن الآهات القادمة!
{ تـَزرعون } ..
وبذا ؛ تنتهي احتمالاتُ المجاعة ، فنحن مَن نمشي لأقدارنا !
وهنا القرآن يقرر أنّ المسافة بين الجُوع وبين الشبع ؛ قرارُ خزينة عليها : { حفيظٌ أميـن } ..
وما سوى ذلك ؛ شعوبٌ محكومة بالعـَذاب ..
يغيبون بصمتٍ وبألوانٍ باهتة ؛ فللبقاء سُنـن الإعـداد ..
وللجـِرار الفارغة ؛ حَسرة التمنّي !
كان الساقي يرتجف وهو يتلو الرؤيا { يَأكلْهن سبعٌ عِجاف } .. وكان يوسف ساكناً ..
سبعٌ عِجاف.. لا بأس .. فهذه سنّة الله في حركةِ الحياة .. ولكنّنا ؛ نُدافع الأقدار بالأقدار !
يصغي يوسف إلى صمت المَشهد ؛
فَيسمع أنينَ الزوال ..
وفي غَمرة الخواء ؛ تبدو خُطة يوسف مثل مَخطوطة نادرة !
{ سبعٌ عِجاف } ؛ ستكون فيها الأشجار العارية ، والغُيوم العقيمة ، والسِّلال الفارغة !
لذا ..
إياك أن تأذَن لفأسِك أن تَغتال كل أشجار الغابة ..
إيّاك وحَريق الموارد !
وإنّها لسنن الله التي لا تحابي أحدا .. أن الكثير في انفاقه ؛ قليل في قادمِ أيامه ..
ولقد كانت الرؤيا تُنبّئ عن أواخر الطريق ..
تنبّىء عن الهَجير ؛ إذ يفجأ المطايا الظامئة ..
وكان يوسف يَنصت لرسائل الله جيدا !
يُتمّ يوسف خطّته ؛ فيقول ..
{ فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ } ..
فلا يغدو المَشهد القادم خاليا من البيادر !
وهنا ؛ فقهٌ اقتصاديٌّ تُحفظ به الدول .. ( فقهُ المخزون الاحتياطي ) ..
إذْ كم أمّة سَقطت مِن أعلى النّص ..
كم أمّة كتبت سَطرها الأخير ؛ وماتت الأنهار فيها عَطشا ، وصارت غُبار الغبار !
( فقهُ المخزون الاحتياطي ) لأنّ نزف المزيد مآله عيشٌ القليل ..
ولقد كان يوسف يُدرك أنّ فراغ السنابل ؛ يهدر عُمر بقاءنا ..
{ فذَروه في سنبله } .. أمرٌ وليس ترجّي ؛ لأنّ بعض الهفوات الاقتصادية عويلٌ طويل !
والمُدهش ؛ أنّ هذا الأمر ومِصر في وَفْرتها ..
لكان يوسف كان يلتقطُ رسالة الرؤيا ؛ ويستشرف المُستقبل !
{ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ } ..
وليس مِما تهدرون ..
حتى لا نصبح حكاية { بئرٌ معطلةٌ وقَصر مَشيد } !
يفهم يوسف معنى { يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } ..
وهنا يقرأ يوسف من الغَيب أعلى رسائله ..
ويتعلّم ؛ كيف يخلقُ روح الحيـَاة من أسباب موتها !
لذا قال :
{ تَزرعون } ..
حيث تَعبـُر الأمة من الجُرح إلى الشفاء ، وتخزّن من حكمتها خُبزا لمجاعتها !
{ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ } ..
يتجرع الوعي ملح الحقيقية ..
وَيمسك يوسف خَيط النّجاة ؛ ويلبس الحقائق أثوابها !
{ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } ..
ثمّة صوت مُريع في التعبير ؛ حتى كأنّك تسمع أمّة تُطحن بين أنياب الجُوع !
{ يَأْكُلْنَ } ..
حيث تشتد أعوام الرمادة ، وتموج الحقول بِسعال المتعبين ..
تلتئم طوابير الرغيف المفقود، وتتقن الأمة صلاة الخوف .. وتأكلها الهزيمة ..
ولاينزع حينها عن المواسم سوادها ؛ { إلا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ } !
هل هذا معنى ؛ ترشيد الاستهلاك وترشيد الانفاق ؟
إنّ الموارد ( مائدة ) ؛ يأكل منها أوّلنا ويبقى منها لآخرنا .. وهي عِيدنا ..
والنّاهبون لها ؛ يُمهّدون لموتنا !
{ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ } ..
ما أوضح الوضوح في الصُورة ..
وما أقسَى وهم الأمان والقَبض على السراب ..
سَراب الوفرة ؛ والمَجاعة تقترب !
والدول بدون يوسفها مآلها النفاد والاندثار !
منقول
ُ
بنت الخطاب- المشرفة العامة
- عدد المساهمات : 1324
تاريخ التسجيل : 02/01/2017
أمين يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» أين أنت أيها الفتى القرآني؟
» "سامي يوسف ونشيد Karitas "
» ريح يوسف.
» علمني قميص يوسف
» شكرا لسيدنا يوسف
» "سامي يوسف ونشيد Karitas "
» ريح يوسف.
» علمني قميص يوسف
» شكرا لسيدنا يوسف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى