فرسان الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصحابة والتوبة

اذهب الى الأسفل

الصحابة والتوبة  Empty الصحابة والتوبة

مُساهمة من طرف زائر الخميس أغسطس 04, 2016 12:51 am

جاء ذلك تصريحا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".
والأحاديث في هذا الأمر أكثر من أن تحصى، أحاديث كثيرة جدا، أثبتت الخيرية لهذا الجيل، وأنه أفضل من كل أجيال الأرض، ومع ذلك، فالصحابة بشر، ليسوا معصومين من الخطأ، لا شك أنهم كانوا يخطئون، وأحيانا كانوا يخطئون أخطاء شديدة، بل أحيانا كانوا يخطئون أخطاء كبيرة، بل في بعض الأوقات لا يتخيل الإنسان أن يخطئ الصحابي هذا الخطأ، وكانوا يتوبون من هذه الأخطاء.
المبالغات الكبيرة في قصص الأولياء
أخطأ بعض الناس في المبالغة الشديدة في أحوال الصحابة، ونقلوا عنهم القصص العجيبة الضعيفة جدا، بل أحيانا الموضوعة، والتي تظهرهم بصورة ملائكية، وترتفع بهم فوق صور البشر، والصحابة لا يحتاجون لمبالغة حتى يُعَظمون، يكفي أن تنقل الصورة الحقيقة للصحابة، ففي هذا كل التعظيم لهذا الصحابي، كان فعلا جيلا فريدا عظيما جدا متميزا، ولكن المبالغة فيها خطورة كبيرة جدا، فقد تصيب اللاحقين باليأس، مثل ما ذكرنا، فقد ذكرنا أن المبالغة في صور الصحابة تجعل اللاحقين ييأسوا من إمكانية الوصول إلى مثل هذه الصورة، أنا أحكي لكم حكاية جاءت في أحد الكتب، وفيها الكثير من المبالغات، يقول: رأيت بدويا بمكة.
وهو يتكلم على صفة غريبة جدا من صفات البشر، أو فعل عجيب جدا من أفعال البشر، والبشر الذي يتكلم عليه ليس صحابيا، فما بالك بالصحابي، يقول:
كنت بالبادية، وإذا بغلام حاف مكشوف، ليس معه زاد، ولا ركوة، ولا عصى، فقلت في نفسي: أدرك هذا الفتى، فإن كان جائعا أطعمته، فإن كان عطشانا سقيته. فبادرت إليه حتى بقي بيني وبينه مقدار ذارع، وإذا به ابتعد عني حتى غاب عن عيني.
هذا أول شيء، الغلام الصغير هذا طار وكانت المسافة بينه وبينه حوالي ذراع وفجأة رآه في آخر الدنيا بعيدا عنه، فأول شيء قاله أنه طار، فقلت: هذا شيطان.
فإذا به ينادي: لا، بل سكران.
الغلام يرد عليه من مسافة بعيدة: بل سكران.
فناديته: يا هذا بالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق إلا وقفت.
أقسمت عليه أن يقف، قال: أتعبتني، وأتعبت نفسك.
فقلت له: رأيتك وحدك، فأردت خدمتك.
فقال: من يكن الله معه، كيف يكون وحده؟
فقلت له: ما أرى معك زاد.
فقال لي وهذا من باب المبالغات: إذا جعت فذكره زادي، وإن عطشت فمشاهدته سؤلي ومرادي.
أي أن هذا الرجل لا يأكل، ولا يشرب، فقلت له: أنا جائع، فأطعمني.
فقال: أولا تؤمن بكرامات الأولياء؟
فقلت: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.
فضرب الولي الغلام الصغير بيده الارض فكانت أرضا رملا، ثم قبض قبضه من الرمل، وقال: كل يا مخدوع.
فإذا به سويق ألذ ما يكون السويق.
والسويق هو الدقيق الناعم، فقلت: ما ألذه.
فقال لي: في البادية، عند الأولياء من هذا كثير.
أي هناك في الصحراء، عند من يعتكفون، هناك خبز من هذا كثير جدا لو عقلت.
فقلت له: اسقني، أريد أن أشرب.
فركض برجله الأرض، فإذا هو بعين من عسل وماء، فجلست لأشرب، ثم رفعت رأسي، فلم أره، ولا أدري كيف غاب ولا أين ذهب، فأنا أخدم الفقراء من ذلك اليوم إلى الآن لعلي أرى مثل ذلك الوليد.
هذه الحكايات فوق أنها واضحة الافتراء، لها أثار سلبية ضخمة على طرق التربية، والتنشئة، فالناس من المستحيل أن تصل لمثل هذه الأساطير فيصيبها نوع من الإحباط، نحن نتعامل مع الناس، أو نتعامل مع نوعيات ليست من البشر، فلا يمكن أن تقلدها، ولكن عندما أفهم أن الصحابي بشر من الممكن أن يخطئ، ويمكن أن يصيب، من الممكن أن يختار الأولى، أو يختار خلاف الأولى حسب الموقف، وحسب الظرف الذي يوجد فيه، ولأنه بشر ومعرض للخطأ فأنا أستطيع أن أقلده.
كان الصحابة أولي بهذه الكرامات من غيرهم
ونحن نتساءل: هل يحدث هذا مع هذا الغلام الذي لا نعرفه، ولا يحدث مثل هذا مع أكابر الصحابة؟
هل إذا أراد أبو بكر مثلا رضي الله عنه أن يأكل يقبض من الرملة فإذا هي خبز ولحم؟
ولو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أراد أن يشرب هل كان يضرب الأرض برجله حتى يخرج منها عسل؟
وهل إذا أراد عثمان رضي الله عنه أن ينتقل من مكان إلى مكان طار في الهواء وطار مثل هذا الغلام لا يراه الناس ولا يعرفون أين ذهب؟
سبحان الله! منهج عجيب جدا في التلقي، أسلوب مبتدع في التربية، وسيلة من وسائل التعجيز للناس، وليس من ورائها أي حقيقة، لم يكن الصحابة كذلك، بل كانوا بشرا، إذا أرادوا الأكل بحثوا عن الطعام، وكدوا في طلبه، واجتهدوا في طبخه، وإعداده، ثم أكلوا بعد ذلك، وإذا أرادوا الشرب حفروا الآبار، وإذا سافروا حملوا معهم الماء الذي يكفيهم، واختاروا الطريق المأهولة، وأعدوا العدة الكافية، نعم قد تحدث لهم كرامات، لكن هذه الكرامات ثابتة، ومواقف معدودة معينة، ولم تكن بإرادة منهم، إنما كان الله عز وجل يهبها لمن يشاء وقتما يشاء.
ولأن الصحابة كانوا بشرا فإنهم كانوا يخطئون أحيانا، ولا ضير في ذلك ما دامت الخطيئة ستتبع بتوبة، من خصائص الإنسان أنه يخطئ، لا يوجد إنسان لا يخطئ أبدا، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرَ لَهُمْ".
طبعا هذه ليست دعوة للذنوب، إنما هي تقريب للواقع، دعوة للتوبة، الواقع الذي خلقه الله عز وجل أن الإنسان لا بد أن يخطئ، والكمال لله عز وجل وحده، والمعصوم هو من عصمه الله عز وجل، وحتى الأنبياء، فإنهم أحيانا يختارون خلاف الأولى، ويُلامون على ذلك من الله عز وجل، وذلك لإثبات بشرية هؤلاء، وإلى هذا المعنى أشار الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
إذن الصحابة يذنبون، والصحابة يتوبون من ذنوبهم، ولكن توبة الصحابة كانت توبة ذات طابع خاص جدا، لها سمات مميزة، ولها صفات أصيلة على جانب كبير من الأهمية، فمن المعلوم أن شروط التوبة عند كل البشر ثلاثة، أي إنسان أخطأ، والخطأ هنا في حق ربنا سبحانه وتعالى، فعليه بثلاثة أمور حتى يتوب إلى الله عز وجل، فأول شيء أن يقلع عن المعصية فورا، والثاني أن يندم على فعلها، يندم يعني طول حزن فيه طول بكاء ألم شديد في النفس على المعصية التي مرت، والثالث أن يعزم على ألا يعود إليها أبدا، هذا العزم لا بد أن يكون عزما صادقا، والله سبحانه وتعالى مطلع على القلوب، لو كان الذنب هذا متعلق بحق آدمي يضاف شرط رابع، أن يرجع الحقوق لصحابها، يعني فيه مال سرق مثلا يرجع المال المسروق، وإذا شهدت شهادة زور، تذهب وترد شهادة الزور، وإذا كان هناك قطيعة، أو هناك سباب، أو هناك خطأ في حق أحد، تذهب، وتأخذ العفو منه على الخطأ الذي وقع منك في حقه.

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الصحابة والتوبة  Empty رد: الصحابة والتوبة

مُساهمة من طرف زائر الخميس أغسطس 04, 2016 5:51 am

أحسنت أختي جزاك الله كل خير .

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الصحابة والتوبة  Empty رد: الصحابة والتوبة

مُساهمة من طرف زائر الأربعاء أغسطس 10, 2016 11:01 am

لمار كتب:أحسنت أختي جزاك الله كل خير .

احسن الله اليك اختي الكريمة
وجزاك الله خيرا

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الصحابة والتوبة  Empty رد: الصحابة والتوبة

مُساهمة من طرف زائر الأربعاء أغسطس 10, 2016 11:01 am

سمات التوبة عند الصحابة

لكن التوبة في حياة الصحابة كانت تتميز بصفات رائعة فوق هذه الصفات الأساسية، فهناك خمس سمات سوف نتكلم عليها.

- التوبة من قريب

فالسمة الأولى شيء كان واضح جدا، وهي التوبة من قريب، لم يكن هناك إصرار على المعصية عند الصحابة، كان إذا ضعف، وارتكب ذنبا، أفاق سريعا، وتاب إلى رشده، وعاد إلى الله عز وجل، وهذا كان يوجب له المغفرة الكاملة من الله عز وجل، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار.

هناك مثل لطيف يقوله الإمام الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين، يقول: إن قطرات الماء الصغيرة إن وقعت على حجر، ولكن بصورة متتالية، وعلى فترة طويلة من الزمن، فإنها تؤثر في حين إذا جمعت هذه القطرات كلها في دلو واحد وسكبتها مرة واحدة على الحجر لا تؤثر في الحجر.

إذًا لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار.

لذلك الله عز وجل يفتح باب التوبة باستمرار لكل البشر حتى تعود إليه في الوقت الذي تذنب فيه، فلا تؤجل التوبة لرمضان، أو تؤجل التوبة للحج، أو تؤجل التوبة حتى تكبر في السن؛ لأن باب التوبة مفتوح في كل وقت، روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي موسى الأشعري رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ".

فيكون طول الليل عندك فرصة التوبة مفتوحة.

"وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ".

كذلك النهار كله عندك فرصة بأن تتوب من ذنوب الليل.

"حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مَنْ مَغْرِبِهَا".

حتى العلامات الأخيرة من يوم القيامة.

فالصحابة كانوا يعلمون أن التوبة المتقبلة حقا هي التي يسرع بها الإنسان المخطئ إلى الله عز وجل، وذلك مثال لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:17].

أبو قتادة رحمه الله يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل ذنب هو جهالة. فعندما يقول الحق سبحانه وتعالى: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء:17] المقصود بها أي ذنب ارتكب في حق الله عز وجل، أو في حق العباد

{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(17)وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمً} [النساء: 17 ،18].

فأول سمة واضحة جدا من سمات التوبة عند الصحابة أنهم كانوا يتوبون من قريب، نعم يخطئون، نعم يقعون في أخطاء، قد تكون أخطاء جسيمة، لكنهم سريعا يعودون إلى الله عز وجل، وليس عيبا أننا نخطئ، ولكن كل العيب أننا نصر على هذا الخطأ.

تعالوا نرى موقفا يوضح لنا هذه الصورة السريعة في التوبة.

توبة أبي لبابة

لقد خانت بنو قريظة العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما نعلم في غزوة الخندق خانت العهد، وبعد الغزوة الرسول عليه الصلاة والسلام قرر أن يذهب، ويحاصر بني قريظة، وبالفعل حاصر بني قريظة خمسة عشر ليلة ومتصلة حتى أصابهم اليأس والفزع، فطلبت بنو قريظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم رجلا للتفاوض معه، واختاروا أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وأرضاه وهو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الأنصار، ومن الأوس، ولماذا اختارواهذا الرجل؟

لأنه كان حليفا لهم في الجاهلية، فقالوا:

من الممكن أن نتكلم معه ونتفاهم معه ويكون قلبه رحيما علينا. فاختاروا هذا الرجل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على أن يقتل بني قريظة لأنهم خانوا الرسول صلى الله عليه وسلم خيانة ضخمة جدا، وكانوا سوف يدخلون قريشا إلى داخل المدينة المنورة، ويستأصلون كل المسلمين في المدينة المنورة، فالجزاء من جنس العمل، وقرر قتل بني قريظة، فلما طلبوا أبا لبابة، ذهب إليهم للتفاوض، والتحاور معهم، والرسول نبه أبا لبابة ألا يخبر اليهود بهذا القرار؛ لأنهم إن عرفوا هذا القرار لن يفتحوا الأسوار، وسوف يظلون محاصرين فترة طويلة من الزمن، وبالطبع فإن حصون بني قريظة كانت كبيرة جدا، وفيها الغذاء والماء، ومن الممكن أن يطول الحصار شهورا، ذهب إليهم أبو لبابة رضي الله عنه وأرضاه فلما رآه اليهود قام إليهم رجالهم، وجهشت إليه نساؤهم، والصبيان يبكون في وجه، الكل يبكي؛ لأنهم يعرفون النهاية، فَرَقّ لهم، فقد كان بينه وبينهم علاقات سابقة، فرق لهم، فقالوا له:

يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال بلسانه: نعم، انزلوا على حكمه.

ولكنه أشار إلى حلقه، أي أنه الذبح، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قرر أن يذبحكم.

لقد أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، خان العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، جريمة كبرى جدا، إنه من الأنصار، ومن الصحابة الثابتين في الإسلام، والعظماء جدا في التاريخ الإسلامي، وله تاريخ فيما سبق، لكن سبحان الله النفس ضعيفه، أخطأ في لحظة، وهذا الخطأ لا يقع فيه كثير من المسلمين، خطأ كبير جدا أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو لبابة رضي الله عنه:

فوالله ما زالت قدماي من مكانهما، حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله. هنا علم أنه أذنب، وأن الذنب كبير جدا، إنها لحظة ضعف، نعم وقع في الخطأ، ولكن هناك التوبة، انطلق أبو لبابة رضي الله عنه على وجه على الفور مباشرة، ولم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربط نفسه في عمود، وقال: لا أبرح مكاني هذا، حتى يتوب الله علي مما صنعت.

فقد ربط نفسه في سارية من سواري المسجد، وقرر ألا يفك نفسه، حتى يفكه الرسول صلى الله عليه وسلم، يفكه بنفسه عندما تنزل توبة الله عز وجل، وكان من الممكن أن يكتم الموضوع، لم ير أحد من المسلمين ما حدث، ولكنه يدرك أنه ذنب كبير، وخطأ كبير جدا، لا بد أن يتوب من هذا الخطأ، ففرصته في التوبة في الدنيا، ولو مات قبل أن يتوب الله عليه ذهبت الفرصة، وقيل إنه قد نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:27].

وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم بأن أبا لبابة رضي الله عنه وأرضاه قد ربط نفسه بالعمود في المسجد، وأقسم ألا يبرح هذا المكان، حتى يتوب الله عليه، سبحان الله! إنه عقاب صعب جدا، ولكنها التوبة الحقيقية، ولم تهمه صورته أمام الناس، وأمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشغله المدة التي سوف يمكثها في محبسه، هل هي أيام، أم شهور، حتى تنزل توبة الله عز وجل عليه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما وصله أنا أبا لبابة قد قيد نفسه في العمود قال: "أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ".

الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم لو كان أخبرني قبل أن يربط نفسه، كنت قد سامحته، لكن ما دام أقسم أنه لن يفك نفسه حتى يتوب الله عز وجل، فلن أستطيع أن أتحرك إليه حتى تنزل التوبة من الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: "فَأَمَّا إِذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ".

وظل أبو لبابة محبوسا في القيد ستة أيام متواصلة، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة تفك القيد فيصلي، وترجع تقيده ثانية من جديد، ألم شديد في النفس، وتوبة سريعة إلى الله عز وجل، توبة صادقة، وبعد ستة أيام، نزلت رحمة الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة على الصحابي الجليل أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وأرضاه، ونزلت التوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم المؤمنين أم سلمة، تقول أم سلمة:

فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر، وهو يضحك، والرسول فرح جدا أنه قد نزلت التوبة على أبي لبابة، حب شديد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين عموم الصحابة، وعموم المسلمين إلى يوم القيامة صلى الله عليه وسلم، فيضحك وعندما سئل: لماذا تضحك؟

قال: "لَقْد تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ".

قالت: أفلا أبشره يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال: "بَلَى إِنْ شِئْتِ الْكَلَامَ".

وهذا حدث قبل أن يضرب الحجاب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فوقفت على باب الحجرة، وقالت: يا أبا لبابة، وكانت حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم مطله على المسجد، والرجل مربوط داخل المسجد، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر، فقد تاب الله عليك.

قال: فسار الناس إليه ليطلقوه، كل الناس ذهبت بسرعة تفكه فقال: لا، والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح أطلقه.

والشاهد من القصة، أن أبا لبابة قد أخطأ خطأ كبيرا جدا، فقد أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفشى سرا يعتبر من الأسرار العسكرية، أسرار الدولة الهامة، والرسول قد أخبره ألا يذيع هذا السر، ومع ذلك وقع في الخطأ، وليست هذه المشكلة، وإنما المشكلة أن يقع الإنسان في مثل هذا الخطأ، ويظل مصرا على المعصية، ولكن أبا لبابة، لم يصر على المعصية، فبمجرد أن أخطأ ذهب بسرعة وربط نفسه في السارية، وظل هكذا حتى تاب الله عليه، وتاب توبته السريعة جدا لله عز وجل فتاب الله عليه {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17].

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى