الجمالية الجديدة
صفحة 1 من اصل 1
الجمالية الجديدة
تُعَدُّ النظرية الجمالية الجديدة من أهم النظريات الأدبية والنقدية التي ظهرت فيما بعد الحداثة، وبالضبط ما بين سنوات الستين والتسعين من القرن العشرين.
وقد جاءت هذه النظرية لتُعِيدَ الاعتبار للجمال والفن، بعد أن تم تهميشه من قِبَل التاريخانية الجديدة، والمادية الثقافية، والنقد النِّسائي، والنظرية ما بعد الاستِعماريَّة، والنظرية الثقافية، وغيرها من النظريات المرجعية والسياقية.
وقد تَبَلْوَرت النظرية الجمالية الجديدة خصوصًا في الحقل الثقافي "الأنجلو سوكسوني"، لتجاوز أُطْرُوحَات النقد الثقافي، الذي كان يُعْنَى باستكشاف الأنساق الثقافية المضمَرة في الخطابات والنصوص، وذلك على حساب الجمال والفن والشعرية.
وهكذا، فقد رفض المثقَّفون الأمريكيون القَاطِنون بمدينة نيويورك منح جائزة بولنجتون في عام 1949 م للشاعر عزرا باوند؛ لأنه كان مؤيِّدًا لموسوليني وهتلر في الحرب العالمية الثانية.
ويعني هذا أن هؤلاء المثقفين كانوا ينطلقون من مسلَّمات ثقافية، وسياسية، وأخلاقية، أكثر مِن انطلاقهم من جماليات النَّص أو شِعْرِية الخطاب؛ حيث كانوا يعتبرون النَّصَّ علامة ثقافية وسياقية، تحمل مقاصد مباشرة وغير مباشرة، قبل أن يكون ذلك النص علامة جمالية، أو فنية، أو شكلية.
ومن ثَمَّ، يَهْدِف النقد الثقافي إلى كشف العُيُوب النَّسَقِية - التي توجد في الثقافة والسلوك - بعيدًا عن الخصائص الجمالية والفنية.
لكن الجمالية الجديدة الأمريكية حاولتْ أن تُعِيد الاعتبار لما هو فني وجمالي، وعاطفي وذوقي.
يعلم الكل أنَّ الجمال - أو الإستيتيقا "Aesthetic" - علمٌ يعنى بالفن والذوق والإبداع، ومبحثٌ يدرس الشعور والعاطفة والإحساس والأحكام التأثرية النقديَّة.
ونعرف أيضًا أنَّ الفلسفة تتكون نسقيًّا من ثلاثة محاور:
• محور الوجود "الأنطولوجيا".
• ومحور المعرفة "الإبستمولوجيا".
• ومحور القيَم "الأكسيولوجيا"، ويَعْني محور القيم بالجمال، والخير، والعدالة.
ويَعْنِِي هذا أن مبحث الجمال مرتبط كل الارتباط بالفلسفة، وقلَّما نجد فيلسوفًا لم يتناول عنصر الجمال في نَسَقه الفلسفي، بَيْدَ أن أهم مَن تناول الجمال بالتفصيل، نذكر كلاًّ من: كانط، وهيغل، وبنديتوكروتشه، وغيرهم.
هذا، ويمكن التمييز بين عدَّة جماليات:
• الجمالية القديمة المرتبطة بحضارات قديمة؛ كالحضارة المصرية، والحضارة الفارسية، والحضارة اليونانية، والحضارة الرومانية.
• والجمالية الوسيطية الإسلامية والنصرانية، والجمالية الغربية الحديثة، والجمالية الجديدة، أو جمالية ما بعد الحداثة.
هذا، ولم يعد للجمال أو الفن أيُّ قيمة تذكر، بعد أن تفاقمت نظريات ما بعد الحداثة ذات الطبيعة السياقيَّة، كنظرية ما بعد الاستعمار، والمادية الثقافية، والنظرية النَّسَوية، والنظرية الثقافية، فانتعش النقد الثقافي في الحقل النقدي الأنجلوسكسوني؛ لأن المقاربة الثقافية كان هدفها تجاوز الأبنية الجمالية والفنية، والبحث عن الأنساق الثقافية المضمرة واللاشعورية واللاعقلية، بُغْيَة رصد المقصدية الأيديولوجية الثاوية وراء النص أو الخطاب.
كما أن التاريخانية الجديدة تدرس النَّص الأدبي في سياقه التاريخي والثقافي، لاستكشاف الإيديولوجيا، ورصد القوى الاجتماعية التي تشكل النص؛ لأن الدلالات داخل النص أو الخطاب الأدبي تتغيَّر حسب المتغيرات التاريخية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية.
ومن ثَم تعمل التاريخانية الجديدة على تفكيك تلك الدلالات المتضاربة والمتناقضة والمختلفة، وذلك بالتشتيت والتقويض والتأجيل.
ومن هنا، فالمقصود بالتاريخانية الجديدة: تحليل الخطاب في ضوء المقاربة الثقافية والتاريخية والسياسية.
ومن ثَمَّ، فقد بدأ النُّقَّاد في فترة ما بعد الحداثة، وخاصة بعض الجمالِيِّين الأمريكيين، يُعِيدون الاعتبار للجمال والفن في إطار ما يُسمَّى بـ: نظرية الجمالية الجديدة "New Aesthetic Theory".
وهذا الاسم من وضع "جون جوغلين، وسيمون ملباس" في كتابهما:" الجمالية الجديدة" "2003م".
ويَعْنِي هذا أن"الهدف الرئيس في جدالهم هو أن التطوُّرات في النظرية الثقافية قد أدَّتْ إلى فقدان مفهوم العمل الفني؛ فلم يعد النقاد يحترمون معنى الفن وخصوصيته ككائن للتحليل، ولم يَدْعُ النقاد الذين - يدعمون الجماليات الجديدة - للعودة إلى نهج الفن مِن أجْلِ الفنِّ، ولكنهم يؤكِّدون على أنهم يَرْغَبون في ربط الإحساس الجديد بالشكل الجمالي، مع وعي السِّياق الاجتماعي والشواغل السياسية[1]".
وهكذا، فالجمالية الجديدة نظرية نقدية أدبية جاءتْ لتعيد الاعتبار لمفهوم الفن والجمال، بعد أن اهتم النقد الأنكلوسكسوني بالتاريخ، والثقافة، والسياسيَّة، والمجتمع، والإيديولوجيا، والهيمنة الاستعماريَّة.
رابط الموضوع:#ixzz46x5woeoe
ابن الرومية- عدد المساهمات : 120
تاريخ التسجيل : 13/05/2015
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى