فرسان الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة قصيرة:المنبه والبرتقال

اذهب الى الأسفل

قصة قصيرة:المنبه والبرتقال Empty قصة قصيرة:المنبه والبرتقال

مُساهمة من طرف زائر الجمعة مايو 15, 2015 9:39 pm

أيقظني صوت المنبه ساخرا على عادة المنبهات في شبه الوطن العربي، فنهضت مسرعا لا أجرؤ على العودة لنوم تلك الدقائق الخمسة المتعارف عليها "عربيا" خوفا أن أغفو مرة أخرى فأتأخر على موعدي معه، وهو الذي لا يزال تحذيره يتردد في أذني منذ أكثر من عشرين عاما :"إن كنت على موعد معي فإياك أن تتأخر، أنا لا أنتظر أحدا أبدا، قد تأخر العرب عن (ني) بما يكفي بالنسبة لي تعال في الموعد أو لا تأت أبدا"
سرت أقارع برد الصباح الشتوي لأغتسل، واستعد لذلك اللقاء ، ولكنني قبل أطأ بقدمي عتبة الباب نظرت إلى المنبه ساخرا "لقد نهضت!".
لم أكد أشعر ببرودة المياه التي تلسعني بشدة صباح كل يوم، حدقت بوجهي في المرآة ساهما "تراني سأتأخر ؟ وإذا تأخرت هل سيعذرني وينتظر؟ وأنا الذي لم أتخلف عن موعدي معه سبعة عشر عاما؟!"
هذا السؤال الذي منذ سبعة عشر عاما أطرحه على نفسي.
المشكلة الأكثر صعوبة هي "ماذا سأرتدي؟" ،فانتقاء الملابس لذلك اللقاء مشكلة سنوية عويصة لم تتغير ولم تتبدل، أحاول جاهدا ارتداء شيء لا يجلب سخريته المرة التي لا زلت أذكرها حين ارتديت أمامه بزة رسمية وربطة عنق للمرة الأولى بعد تخرجي، إذ قال:"نحن العرب نبالغ في ترتيب مظهرنا لإدراكنا عظم الفوضى داخلنا إننا نعلم جيدا أي زيف تعيس هذا التقمص ولكننا ممثلون فاشلون بالفطرة!"
ورفع حاجبه مستهزءا كأنه يسأل :"أليس كذلك؟" عاد بعدها ليغرق في صفحات جريدته التي لوثت أطرافها بقع بنية لا بد وأنها كانت بقع قهوة انسكبت حين تفاجأ بعقب سيجاره يحرق أصابعه.
لو يعلم "هو" كم أفتقد صراحته اللاذعة وسخريته المرة التي تضحك وتبكي قلوبا قدت من الصخر، كم أشتاق لأستمع إلى محاضراته السياسية وتنبؤاته للمستقبل أو كما كان يحلو له أن يقول" ليس هنالك ما نسميه مستقبلا مالغد إلا البارحة مع فرصة لتغيير بضعة أشياء كان يجب أن نؤديها بصورة أفضل، وبقية من حفنة أحلام تسربت من بين أيدينا على طول السنين نحققها" وحين كنت أقول له "هنالك أشياء لا تتغير" كان يضحك موافقا ويقول :"أخطاؤنا فقط تلك التي لا تتغير" ، كم أتوق لرؤيتك اليوم يا صديقي وكم أتوق لأضحك ساخرا في وجهك مثلما أفعل في كل عام :"أترى؟ لم أنس موعدنا ولم أنسك!" ذات الكلمات التي قلتها له حين تحداني قائلا:" لن تذكرني طويلا فأنا كـ (حيفا) سرعان ما يأتي يوم أصبح فيه عبئا ثقيلا على الذاكرة" حينها قلت له :"إذا لأجلك سأصنع ذاكرتي بنفسي" فضحك عاليا وأجاب :"ليس منا من يصنع ذاكرته، إننا جميعا يا صديقي تلاميذ الذكريات، لكننا تلاميذ فاشلون لا يحفظون شيئا فذاكرتنا معلمة لا تؤمن بالاختبارات من هذا النوع!"
غلبتني مرة أخرى فلسفته المعقدة مع ذلك قلت له :" لكنني لن أنساك!" أطرق لوهلة ثم قال:"لا تذكر اسمي إذا شئت أن تتذكرني ،فالاسماء غالبا ما تضيع في زحمة أسماء ومسميات أخرى، ففلسطين قد نسيت حين أضحت فلسطين فقط وحين نسيت بيارات البرتقال، وترانيم الكنائس ولذة الصلاة تحت القبة المذهبة"

كان اسمه ...
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا ...
لا تدعو الكلمة
تضيع في الهواء،كالرماد...
خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد
طريقه إليه...
أخاف يا أحبتي ... أخاف يا أيتام
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء

توقفت طويلا أمام سطور درويش هذه حين قرأتها للمرة الأولى وحينها فقط أدركت كم كان محقا فكم من أسماء ضاعت على صفحات الجرائد وعناوين الكتب، ولكن اسمك يا ابن حيفا لا يزال جرحا في صدري وسأتأكد من أن تدرك ذلك حين نلتقي اليوم.

نظرت مرة أخرى لساعتي فإذا بالرقم "9" يقفز أمام عيني ضاحكا باشمئزاز "أو لن تتأخر حقا؟" هرعت مسرعا خارج شقتي التي تقع في الطابق الخامس أحمل باقة الياسمين التي يحبه، والتي كنت قد اشتريتها في اليوم السابق، ودون أن انتظر المصعد هبطت درج السلم متعجلا ، وحين وصلت باب البناية توقفت وقد تقطعت أنفاسي وتهدجت، نظر إلي حارس العمارة وقال دون أن يتعجب:"الموعد!" وابتسم ثم عاد إلى مقعده فهو لم يعد ينظر إلي متعجبا منذ زمن بعيد، ربما هو مثلي (لا يطيق أن ينسى) وربما تعود كما تعود غيره من اللبنانيين على غرابتنا نحن (أبناء بيارات البرتقال وأصحاب القبة المذهبة).
صعدت إلى سيارتي البيضاء اللون (لونه المفضل) كما كان يقول :" الأبيض هو المفردة الوحيدة الصادقة في لغة مليئة بالأكاذيب،جميع الألوان منافقة ،إنها جميعا تبتلع خطاياها وتفضح خطايا الآخرين لذلك نرى كل الخطايا ملونة فليس هنالك خطيئة بيضاء"
لم تبد بيروت هذا الصباح مختلفة عن كل صباح لكنها وبكل تأكيد مختلفة تمام الاختلاف عنها في عام (1982) البنايات الشاهقة في السماء الغائمة تختلف عن تلك التي كانت في بداية نموها في الأفق الذي سطعت شمسه عاليا، ألوانها مختلفة، أعمارها، الشيء المشترك أنها كانت ولا تزال جميلة، رغم ما عانته منذ بضع وعشرين عاما!

تفاحة للبحر ... نرجسة الرخام
فراشة فجرية .. بيروت .. شكل الروح في المرآة
وصف المرأة الأولى .. ورائحة الغمام
بيروت من تعب ومن ذهب.. وأندلس وشام

لله درك يا درويش!
لا زلت أذكرها وقد كنت في الثامنة عشر من عمري صبيا أشعث قادما من "شاتيلا" باحثا عن لقمة عيش يعود بها إلى شقيقه اليتيم وأمه التي أضناها العمل ثلاث سنين متواصلة بعد أن مات عنها زوجها!
و "هو" كان رجلا يبلغ بضعا وأربعين عاما يسكن مخيم برج البراجنة_ مخيم أنشأ عام 1948_ ويعمل في بيروت أو لأكون دقيقا يبني بيروت!
تقابلت وإياه بينما كنا نعمل في بناء بيت ضخم لأحد السياسيين، كأن الحياة كانت تأبى إلا أن تلوث يديه ولو قليلا.

كان صامتا، متباعدا، غامضا، يحمل أعباء الكون فوق كاهله، حاولت مرارا أن أتبادل الكلام معه وفي كل مرة كان يكتفي بابتسامة أو بهز رأسه موافقا أو رافضا ، لست أدري كيف بالتحديد أصبحنا أصدقاء، ربما حين تعلمت لغته الصامتة أو بالأحرى حين عرفت أن لغتي أصبحت لغة قديمة الطراز بالنسبة لرجل مثله!

كنا نقضي سويا ساعات طويلة يتخلل الصمت أكثرها وبقيتها ذكرياته عن يوم واحد في حياته(يوم غادر حيفا)
قال لي ذات مرة:"لقد أحببتك حقا، تعلمت على مر الأيام أن لا أحب الكثيرين، ما أفظعه من ألأم حين يغادرك من تحب!"
وحدته كانت مؤلمة لكنني اكتشفت لاحقا أنها كانت تؤلمني أنا أكثر مما تؤلمه، سألته ذات مرة:"لماذا لم تتزوج؟"
فأجابني قائلا:"لن أترك خلفي من يؤلمه رحيلي، نحن أبناء البرتقال جميعا غرباء هنا، لن أترك يتامي خلفي في غربة"
كان ولا شك يتحدث بهذا عن نفسه، عن يتمه في لبنان بعد أن توفت جدته، قريبته الوحيدة التي وصل معها إلى لبنان، حين كان في العاشرة من عمره بعد أن أجبرتهم مليشيات اليهود على ترك قريتهم " الطنطورة" يوم (21/5/1948)
قال لي ذات مرة:" وصلنا لبنان صبيا يتيما في العاشرة من عمره أنهكه تعب السفر، وعجوزا سافرت عشرات الكيلو مترات تحمل مرارة جيل بأكمله في قلبها، قد تماسكت لأجل ذلك الصبي"

كان كريما، عطوفا، لكنه كان يحمل خوف الهجرة في داخله، لم يكن يستقر في مكان واحد.
"منذ أن توفيت جدتي، وأنا أنتقل من مكان إلى آخر، أنا لا أريد أن اطرد مرة أخرى"
وبدأ اجتياح لبنان تلك السنة وللسخرية كان الاجتياح في حزيران، وكان علينا نحن الذين نعيش معلقين على هامش الأوطان أن نشهد نكسة جديدة لم نشهدها قبلا في حزيران عام 1967م ولم يغفل هو ضربة القدر هذه إذ قال :"نحن شعب على كل جيل منه _أينما كان_ أن يدفع ثمن هويته ، تلك كانت دائما أرضنا لا ترضى بغير الدماء ثمنا، وأحيانا على الجيل ذاته أن يدفع ذلك الثمن عدة مرات" صمت ليتابع بعد برهة:"ذلك ضريبة كونك فلسطينيا"

بقينا في بيروت أنا بقلقي على أمي وشقيقي وهو بمحاولاته الدائبة لتصبيري، كان كثيرا ما يخبرني قصصا غريبة مرت به ، أو يحدثني عن تجاربه خلال سني عمره.
" توفيت أمي وقد كنت في الخامسة من عمري بعد أن وضعت شقيقتي التي سميت باسمها،فاطمة، وفي اليوم التالي خرج أبي مجاهدا ولم نره مرة أخرى ، تعلقت بي فاطمة كثيرا ولم تكن تتركني للحظة، كم كنت أشفق عليها حين أعود فأجدها نائمة وآثار الدموع مرسومة على وجهها المغبر، أما جدي الذي كان لا يزال على قيد الحياة ضعيفا أجهدته حياته الشاقة لم يكن يجد إلا القصص يسلينا بها، ويسلي نفسه بتجمعنا حوله"

وتقدم اليهود في لبنان أكثر فأكثر ، لست أدري إن كان خائفا مثلنا أم أنه لم يكن يهتم كل ما كان يردده" سأموت هذه المرة ولن أطرد"
كانت أصوات القصف التي تتعالى ليلا تسرق النوم من جفوننا المرهقة وكان هو يسهر ساعات طويلة يأسر ألبابنا بذكرياته، عن أرضه وأرضنا، جرحه وجرحنا، لكأنه بذلك الاجتياح كان يعيش النكبة مرة أخرى، قال لنا في إحدى المرات:" كان خروجنا بعد أسبوع واحد فقط من إعلان دولتهم، أسبوع لعين واحد، كنا نأمل أنهم قد اكتفوا بما سلبوا ، ولكنهم لم يكتفوا بل تقدموا يجتاحون ما يمرون به، يقتلعون الشجر والبشر في طريقهم، لقد كانوا حقا يأجوج ومأجوج وقد أفلتوا من سدهم ولم يكن هناك من فرصة لتلاوة سورة الكهف"

بدأت قطرات المطر بالانهمار تطرق نافذتي، كم تبدو لي الآن تلك الليالي قريبة لكأنها كانت بالأمس فقط، ولم تكن قبل أكثر من عشرين عاما، ازداد انهمار المطر، وبدأ الناس بالتدافع على الأرصفة ، تحت مظلات المحال التجارية، وقد أحنوا رؤوسهم، وصوت أبواق السيارات خلفي يرتفع، الكل متعجل للوصول إلى مكان عمله أو العودة إلى بيته، لكنني متعجل أكثر منكم جميعا، أنا لدي موعد تاريخي!
كم يخطأ أولئك الذين يظنون أننا لا نعيش الأيام سوى مرة واحدة، هنالك أيام تعيشنا أحداثها كل يوم ألف مرة، هي أيام كانت قطعا نهاية تاريخ وبداية آخر!

تسللت إلى المخيم بضع مرات لزيارة عائلتي، أحمل لهم في جعبتي ما أستطيع الحصول عليه، كان حال المخيم في كل مرة أكثر سوءا ، والفقر في ازدياد، وحين كنت أتركهم في كل مرة كنت أنظر إلى والدتي الدامعة العينين قائلا:"ادع لي يا أماه"

وجاء شهر أيلول ....
لم أستطع الوصل إلى المخيم مطلقا، ولم أكن قد رأيت عائلتي منذ ما يقارب الشهر، وازداد هلعي حين بدأت الطائرات الإسرائيلية بقصف المخيم بعدما حاصرته وقد كانت حاصرت بيروت قبل ذلك، كنا نصلي سويا ونجلس صامتين ندعو الإله أن يرأف بأولئك الذين اختيروا ليكونوا هدفا لمحرقة لن يشكك التاريخ في حدوثها هذه المرة!
ثم وصلتنا أنباء عن اقتحام حزب الكتائب للمخيم في 16أيلول وتناقلت شائعات تفيد بحدوث مجزرة في المخيم، ولكن جميع توقعاتنا، جميع مخاوفنا لم تكن لتحضرنا مطلقا لنتائج ما أطلق عليه بعد ذلك " مجزرة صبرا وشاتيلا"

بعد أن أخلي المخيم من القتلة والقتلى، ذهبت على الرغم من رجاءه لي بالانتظار، والتريث، لكنني رفضت فرافقني لنبحث بين ما تبقى من المخيم عن أمي وشقيقي.

لن أنسى ذلك اليوم ما حييت، هالة الموت التي سكنت المخيم من أقصاه إلى أقصاه، الصمت الذي سكن المكان، الذباب الذي حظي بوليمة على مدار أكثر من ثلاثة أيام، بقايا الأبنية، وبقية من بقوا.

حين وصلت بيتنا الذي كان لا يزال واقفا، تسمرت في مكاني ولم أستطع التحرك خطوة واحدة، فتقدم هو وفتح الباب ، كان البيت هادئا، هدوء مخيف كذلك الذي يسبق عاصفة، وحين تبعته رأيته للمرة الأولى مجردا من قناعه الهادئ يبكي، ثم رأيت الدماء!
لقد دفعوا "ثمن هويتهم" والخبر السار أن ليس عليهم أن يدفعوه مرة أخرى!
لقد حلت بنا "لعنة شاتيلا!"
غادرنا البيت ولا إراديا أمسكت باب البيت وأغلقته، ودون أن أنظر خلفي غادرنا إلى غير عودة.

لم أبك! فلم أعرف بالضبط على ماذا يجب أن أبكي أولا، فبين اختلافات الأولويات جفت دموعي، وبقيت الآلام تحرق قلبي وتشعل حروقه من جديد!
بينما كنا عائدين إلى بيروت نظر إلي ثم قال:" يا للسخرية منذ أربعة وثلاثين عاما خرجنا من البيت وقد أمسكت شقيقتي بيدي وأمسكت باليد الأخرى صرة صغيرة، ومفتاحا حمله جدي بعد أن أغلق باب بيتنا الذي وقف أمامه برهة أظن أنه كان يأمل أن تسكنه جن سليمان فتقتل كل من تسول له نفسه فتحه بغير ذلك المفتاح! ولكنك اليوم تخرج دون شقيق يمسك بيدك أو والدة ودون صرة تخبئ فيها بعضا من عمر مضى، أواه يا فلسطين"

مددت يدي فأخرجت بضعة مناديل ورقية أجفف بها دموعي التي سالت تغسل وجنتي، لم أعرف يوما كيف قتلت والدتي أو كيف قتل شقيقي، كما لم يحدثني هو أبدا كيف فقد جده وشقيقته، كل منا كان قد رضي بقدره صامتا، ورضي بلعنته، كل منا كان قد رضي بفلسطينيته!

وعاد صوت أبواق السيارات ، وازداد المطر، يبدو أن بيروت شاركتني تلك الذكريات فبكت، نظرت إلى ساعتي، فإذا بها العاشرة والنصف، لم أنتبه أنني قطعت كل تلك المسافة ، حسنا أن أصل مبكرا خير من أن أصل فلا أجده.

وازداد ازدحام السير، وبدا أن هذه السيارات ستبقى مكانها إلى الأبد، ولكن بعد نصف ساعة استطعت أن أكمل طريقي، ولم أكد أقطع بضع كيلو كترات حتى تفاجأت بحاجز عسكري للجيش اللبناني، وبدا أمامي صف طويل من السيارات، بدأ الوقت في النفاذ والساعة الثانية عشرة تبدو أقرب مع كل دقيقة، وهم يفتشون كل سيارة تمر، مرت نصف ساعة أخرى حين كان دوري قد أتى، حين نظر الجندي إلى بطاقتي أمرني بالنزول "بالطبع أولست فلسطينيا!" قال:"افتح الباب الخلفي" فتحته فراح يفتش السيارة جيدا، تبا له عم كان يبحث؟ وماذا تراني أخبئ! إلا حزام أمنيات، وبضع عبوات من الصبر فرغ أكثرها، وذاكرة قد أتعبتني كما كان صديقي يقول :" أنت تنتمي لشعب يولد ومعه ذاكرة جاهزة"
ومضت عشر دقائق قبل أن يسمح لي الجندي بالذهاب، دخلت إلى السيارة وقدتها بأقصى ما يمكنني من سرعة، بدا أن عقرب ساعتي يريد أن يسابق الوقت الحقيقي ، وكم تمنيت أن يتوقف لكنه بالطبع أكمل دورته على عجل.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة ببضع دقائق حين وصلت، فنزلت من السيارة مسرعا أحمل باقة الياسمين.
المقبرة كانت خالية، فما من أحد يزور الأموات في مثل هذا اليوم، ولماذا يفعلون؟! مشيت بين القبور المزدحمة، وقد غاص حذائي في الطين، وفتحت السماء أبوابها فوق رأسي تغسل باقة الياسمين، تبللت من رأسي وحتى أخمص قدمي وأنا أسير إلى حيث قبره يقبع، كنت أحفظ مكانه جيدا فهو قبر من قلائل لم يبن فوقه ، فهذه كانت وصيته:" إذا مت هنا فلا أريد أن يبنى لي قبر، لا أريد أن أنعم بشرف الحصول على بيت لائق في مماتي لم أحصل عليه في حياتي! القبور المبنية ترف لا يكون للغرباء، أنا سيكون لي قبر هناك، قبر تظلله أشجار البرتقال"

تابعت المسير يعيقني حجر هناأو نبتة هناك، وحين توقفت حيث يجب أن يكون قبره كانت الصدمة، فلم يكن ذاك قبره، بل كان قبر مبني كتب فوقه اسم غريب لا أعرفه، نظرت حولي في المكان علي أكون مخطئا ، لكن كيف أخطأ مكانا أعرفه منذ سبعة عشر عاما! لقد اختفى القبر!

"هو" واحد من قليلين عرفتهم يعنون ما يقولون! أنا آسف يا صديقي، فقد تأخر عنك عربي مرة أخرى، وعدت إلى البيت أجر أذيال خيبتي، لأواجه سخرية المنبه!


زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة قصيرة:المنبه والبرتقال Empty رد: قصة قصيرة:المنبه والبرتقال

مُساهمة من طرف زائر الخميس مايو 21, 2015 10:56 am

كل منا كان قد رضي بفلسطينيته!

أوجعتِ قلبي يا بنت الخطاب

رحم الله شهداء صبرا وشاتيلا

زائر
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى