البـــلاغة والفـــصاحة .

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين . 

البلاغة : تأدية المعنى الجليل واضحا بعبارة صحيحة فصيحة ، لها أثر خلاب في النفس . 

والبلاغة لها ثلاثة أركان، كل ركن هو علم مستقل  : 
علم البديع 
علم البيان 
علم المعاني

علم البديع : هو تزيين الألفاظ أو المعاني بألوان بديعة من الجمال اللفظي أو المعنوي . 
وهذا التحسين أو التزيين نوعان  : 

النوع الأول : المحسنات اللفظية . 
النوع الثاني : المحسنات المعنوية . 

النوع الأول - المحسنات اللفظية - يكون على مستوى الألفاظ وهو ثلاثة أقسام : 

الجناس 
السجع 
الاقتباس 

النوع الثاني - المحسنات المعنوية - يكون على مستوى المعاني وهو ستة أقسام : 

التورية 
الطباق 
المقابلة 
حسن التعليل 
تأكيد المدح بما يشبه الذم وعكسه 
أسلوب الحكيم

السَّجع : توافق الفاصلتين في الحرف الأخير . 

السجع قد يأتي في فقرتين أو أكثر . 

مثال وروده في فقرتين : 

* قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
" اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا " .

نلاحظ أن هذا الحديث النبوي مكون من فقرتين متحدثين في الحرف الأخير (الفاء ) ،
 كلمتي خلفا / تلفا هما الفاصلتين هنا ، وقد تماثلتا في الحرف الأخير . 
ويسمى هذا الأسلوب من الكلام سجعاً ، وتسمى الكلمة الأخيرة من كل فقرة فاصلة ، وتسكن الفاصلة دائما في النثر لأجل الوفق . 

* قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
" رحم الله عبدأ قال خيرا فغنم ، أو سكت فسلم " 
غنم / سلم : هما الفاصلتين في هذا الكلام 

*قال الثعالبي : 
الحقد صدأُ القلوب ، واللَّجاجُ سبب الحروب . 
القلوب/ الحروب : سجع .

مثال وروده في أكثر من فقرة : 

*جاء في المثل العربي : 
الحر إذا وعد وفى ، وإذا أعان كفى ، وإذا ملك عفا . 
هذا الكلام مكون من ثلاث فقرات ، كل فقرة تنتهي بفاصلة ساكنة ، وكل فاصلة تنتهي بحرف الفاء .  

*ملاحظة : النثر موطنه الدائم النثر ، لكن قد يرد في الشعر أحيانا ، كقول الشاعر المتنبي : 

فنحن في جذلْ والروم في وجلْ     والبر في شغلْ والبحر في خجلْ 

هذا البيت الشعري تضمن أربع فواصل : جذل / وجل / شغل / خجل ، وجميعها تنتهي بحرف اللام الساكن ، وهذا هو السجع كما قلنا . 

السجع مذموم من الناحية الشرعية كما هو معلوم ، لأن هذا الأسلوب كان يعتمده السحرة والكهان في زمن الجاهلية لأجل خلق هالة على قولهم تمنحهم تأثيرومصداقية مزيفة عند سامعيهم ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عن هذا الأسلوب في الكلام إلا ما يجيء حكمة بلا تكلف . 
وقد جوز العلماء أسلوب السجع بثلاث شروط ، أن يكون : 
رصين التركيب . 
خالي من التكرار بلا فائدة 
سالما من التكلف . 

(2) الطباق :

قاعدة : الطباق هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام ، وهو نوعان : 

النوع الأول : طباق الإيجاب 
وهو ما لم يختلف فيه الضدان إيجابا وسلبا . 
مثال : 
يقول سبحانه وتعالى : {وتَحسَبُهم أيقاظاً وهم رقُود } . 
هذه الآية مشملة على الشيء وضده : أيقاظ/ رقود 
والجمع بين الشيء وضده في الكلام يسمى طباق ، وبما أن اللفظين لم يختلفا ايجابا وسلبا فهذا النوع يدعى طباق إيجاب . 

النوع الثاني : طباق السلب 
وهو ما اختلف فيه الضدان إيجاباً وسلباً . 
مثال : 
يقول سبحانه وتعالى : {يستخفون من النَّاس ولا يستخفون من الله } 
يستخفون / لا يستخفون : طباق سلب  
مثال آخر : 
يقول الشاعر السموءل : 
وننكر إن شئنا على الناس قولهم    ولا ينكرون القول حين نقول 
ننكر/ لا ينكرون : طباق سلب

(3) المقابلة : 
القاعدة : المقابلة هي أن يؤتى بمعنين أو أكثر ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب . 

أمثلة : 
*يقول سبحانه : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
يلاحظ في الآية الكريمة أنها مشتملة في صدرها على معنيين ، وفي عجزها ما يقابل هذين المعنيين على الترتيب ، "يحل" يقابلها "يحرم" ، و"الطيبات" يقابلها "الخبائث" . 

*يقول سبحانه : { بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} 
المقابلة في الآية : باطنه / ظاهره  ، الرحمة / العذاب . 

*يقول سبحانه : { لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}
المقابلة : تأسوا/ تفرحوا  ، فاتكم / آتاكم . 

*يقول سبحانه : { فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا }
المقابلة : يهديه / يضله ، يشرح / ضيقا .
  
* جاء في الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : 
" إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلون عند الطَّمع " .
في هذا المثال بين النبي صلى الله عليه وسلم صفتين من صفات الأنصار في بداية الكلام وهما الكثرة والفزع ، ثم قابل ذلك في آخر الكلام بالقلة والطمع على الترتيب .

(4) حسن التعليل : 

القاعدة : حسن التعليل أن ينكر الأديب صراحة أو ضمنا على الشيء المعروفة ، ويأتي بعلة أدبية طريفة تناسب الغرض الذي يقصد إليه . 

أمثلة : 

يقول المعري : 

وما كلفة القمر المنير قديمةً     ولكنها في وجهه أثر اللطم . 

الكل يعلم أن الخطوط السوداء التي على القمر قديمة وليست بحادثة  وسببها فلكي ، لكن المعري هنا يأتي بعلة أدبية جديدة وهي شدة حزن القمر على فراق أحبته التي خلفت أثرا أسودا على وجهه . 

ويقول شاعر في قلة المطر بمصر : 

ما قصَّر الغيث عن مصر وتربتها      طبعاً لكن تعداكم من الخجل . 

ويقول شاعر آخر يمدح ويعلل لزلزال ضرب مصر : 

ما زلزلت مصر عن كيد يراد بها       وإنما رقصت من عدله طربا . 

في هذه الأمثلة نلحظ أن الشعراء ينكرون علة الأشياء المعروفة ويأتون بعلل جديدة مبتكرة تناسب الغرض الذي يقصدونه وهذا النوع من الأسلوب يسمى " حسن التعليل " .

(5) تأكيد المدح بما يشبه الذم وعكسه :  

أمثلة : 

*قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش " 
في هذا الكلام نجد أن النبي عليه السلام يمدح نفسه بأنه أفصح العرب ، ثم اسثنى موهما السامع بأنه سيذكر شيئا غير محبوب ، بيد أنه أكد المدح بكونه ينتسب إلى قريش وهي أفصح العرب بلا منازع . 

*قال ابن الرومي :

ليس به عيب سوى أنّه        لا تقع العين على شبهه 

انفى الشاعر هنا أي عيب عن ممدوحه ، ثم أتى بأدة الإسثناء " سوى " التي أوهمت السامع بأنه سيصارح الممدوح بعيب ينتقصه ، بيد أننا وجدناه يأتي بصفة مدح جديدة .  

*قال النابغة الجعدي : 

فتى كملت أخلاقه غير أنه     جواد فما يبقى على المال باقيا 

هذه القواعد التي ذكرناها هي مكونات علم البديع . 
 ومع ممارسة الأمثلة تستوعب وتحفظ .